من بين اوراق التاريخ جاء
من قلب الحضارة والامل ظهرمن اجل الحق و العدل كانرمز الماضي والحاضر والمستقبلالفارسفارس الاندلس
د. نبيل فاروق- الفارسانتفضت معرفة جواد عربي اصيل وتطايرت في نعومة قبل ان تستقر علي جبين الجواد الابيض القوي الذي رفع راسه يستقبل الخيط الاول للشمس مطلقا صهيلا خافتا وضاربا الارض بحوافره في رفق ثم مال براسه وهو يديرها الي خيمة كبيرة داعب استارها بمنخره قبل ان تمتد يد قوية تزيح الستار في هدوء ويبرز من الخيمة شاب قوي ممشوق القوام متين البنيان وسيم الطلعة حليق الوجه انسدلت خصلة من شعره الفاحم الناعم علي جبينه وابتسم الشاب وهو يربت علي عنق الجواد الابيض قائلا - صباح الخير يا رفيق العمر هل نعمت بنوم جيد الليلة ؟اطلق الجواد الجميل صهيلا اخر وهو يمسح راسه وعنقه بصدر الشاب القوي الذي واصل تربيته علي عنق جواده وراح يمرر اصابعه في معرفته الناعمة حتي سمع صوتا حانيا يقول في نبرة طيبة :- صباح الخير يا ولدي
تخلي الشاب عن جواده الابيض والتفت الي صاحب الصوت واعتدل في احترام وهويقول للشيخ الاشيب ذي اللحية البيضاء الوقور والوجه المهيب :
- صباح الخير يا عماهابتسم له الشيخ ابتسامة حانية ثم اتجه نحو صخرة كبيرة مصقولة واتخذها مجلس له والتفت الي خيمة ثالثة صغيرة وهو يسأل :- الم يستيقظ (مهاب ) بعد ؟برز من الخيمة الثالثة رجل اشيب الفودين واضح القوة تناثرت الشعيرات البيضاء – علي نحو عشوائي – في لحيته القصيرة وشاربه وهويقول في تراخ :- لقد استيقظت يا سيديسأله الشاب في شغف :- مارايك في قليل من الرياضة ؟عقد (مهاب ) حاجبيه ومط شفتيه :- أليس من الطبيعي ان يتناول المرء افطاره اولا ؟اطلق الشاب ضحكة مرحة وقال :- صدقتوبمهارة ورشاقة مثيرتين للاعجاب وثب الشاب يعتلي صهوة جواده وجذب معرفة الجواد الذي رفع قائمتيه الاماميتين واطلق صهيلا حماسيا قويا والتمعت عيناه في جذل قبل ان يضرب الارض بقوائمه وينطلق براكبه دائرا حول الخيام الثلاث في حين امال الشاب جسده علي نحو مدهش ليلتقط قوسه وجعبة سهامه ثم اعتدل وهو يضرب بطن جواده بكعبيه في رفق وحزم وانطلق الجواد الابيض الشاهق يختفي براكبه في الافق القريب و(مهاب ) يهتف في تكاسل :- لاتحضر ارنبا لقد سئمت الارانب علي الافطارثم تنهد في عمق واستطرد :- كم هو رائع هذا الشاب !ابتسم الشيخ ابتسامة حانية وهو يتطلع الي الافق حيث اختفي الشاب وجواده وقال في لهجة تحمل شيئا من الحزن :
- انه يذكرني بوالده (رحمه الله )تنهد (مهاب ) مرة اخري وقال :- كان (رحمه الله ) اعظم فرسان (الاندلس)ران عليهما الصمت لحظات اتجه خلالها (مهاب ) الي خيمته وعاد حاملا سيفه وجرابه وتمنطق بجرابه وهو يقطع حبل الصمت سائلا الشيخ :
- اظن ان الشاب قد بلغ المدي المطلوب يا سيدي فلقد صارت ذراعه قوية تحمل السيف وتضرب به في صلابة وحزم ويندر ان تخطيء سهامه هدفها كما انه يمتلك قلبا باسلا لايخشي في الحق لومة لائم ونفسا شجاعة لاتهاب اشد المخاطر ولا اعظم الشدائد الم يحن وقت انطلاقته بعد
شرد الشيخ ببصره في الافق وقال :
- انني انتظر اشارة البدء يا ولدي فلقد اعددت (فارس) طيلة الاعوام العشرين الماضية للذود عن (الاندلس ) قبل ان تغرب شمس العرب فيها ولقد وعدت والده (رحمه الله ) علي ان اصنع منه اعظم فرسان (الاندلس ) وان اجعله سيف الله ( سبحانه وتعالي) فيها
ثم التفت الي (مهاب ) مستطردا في حزم :- ولكن حذار ان تخاطبني امامه بلقب الوزير فهو لا يعلم بعد حقيقة منشئه ولا نبل محتده والافضل ان يبقي كذلك حتي تحين اللحظة المناسبةابتسم (مهاب ) وقال :- ومتي تحين اللحظة المناسبة ؟رفع الشيخ عينيه الي قرص الشمس الذي يتصاعد في الافق واجاب في حزم :- عندما تشرق شمسنا علي (الاندلس) مرة اخري ويصبح مؤهلا لاستعادة عرش ابيه وملك (الاندلس )اشار (مهاب ) الي الافق وابتسم قائلا :- ها هو ذا لقد عادالتفت الشيخ الي حيث يشير (مهاب ) وابتسم في ارتياح وهو يتابع(فارس ) الذي يقترب علي صهوة جواده وابتسامة القوة والثقة تتالق علي وجهه الوسيم حتي بلغ موقع الشيخ و(مهاب ) فالقي غزالا الي (مهاب ) وهويقول :
- خذ ايها الشره لقد ابدلت بوجبة الارانب غزالا صغيرا هذا الصباح
ابتسم (مهاب ) وهو يحمل الغزال الي منضدة الشواء قائلا :
- كم سهما استخدمت لصيده ؟اجابه (فارس ) وهو يهبط عن الجواد :- واحدااتسعت ابتسامة (مهاب ) وهو يقول :- كنت اتوقع هذاالتقط (فارس ) سيفه ولوح به قائلا :- والان ما رأيك في مبارزة قصيرة حتي تفوح رائحة الشواءاطلق (مهاب ) ضحكة قصيرة وقال :- لابأسواستل سيفه بدورهوتقارعت السيوفوتردد الصليل في الوادي والفارسات يتبارزان في وقة وعنفوان و الشيخ يتابع المبارزة في اهتمام بالغ حتي توقف (مهاب) فجأة عن المبارزة وهتف مشيرا الي الافق :
- الفهد
استدارت العيون كلها الي حيث يشير وتعلقت الابصار بجواد اسود حالك السواد ينطلق متجها الي حيث الخيام الثلاث وعلي متنه زنجي مفتول العضلات بارز الصدر كثيف الشعر يرتدي علي صدره العاري صدراه المزركش الاسود الذي يكاد يستحيل تمييزه عن جسده او جواده مما جعل ثلاثتهم يبدون ككتلة من اللون الاسود دب فيها النشاط
واقترب الزنجي حتي بلغ موقع الثلاثة ثم قفز عن جواده وانحني امام (فارس) في احترام بالغ قبل ان- مهلا يا (فهد ) لماذا تنحني امامي دوما ؟
لم يجب (فهد)بل لم تنفرج شفتاهلقد بقي يتطلع الي وجه (فارس ) في توقير واحترام وصمت كانما قد استحال الي تمثال من الابنوس [1] حتي قال الشيخ في حزم :- ماذا دهاك يا (فارس ) انسيت ان (فهد ) ابكم اصم لا يمكنه ان يسمعك او يحدثك ؟تطلع (فارس ) الي وجه (فهد ) الجامد طويلا قبل ان يغمغم :- حقا ؟!جذب الشيخ (فهد) الي خيمته وهو يقول في صرامة :- دعك من هذا يا (فارس ) وعد الي مبارزتك مع (مهاب )
راقبهما (فارس ) وهما يدلفان الي خيمة الشيخ في حين هتف به (مهاب ) :
- هل تنسحب ؟
التفت اليه قائلا في حزم :مطلقاوعاد سيفاهما يتقارعان الا ان (فارس ) بدا شديد الشرود هذه المرة حتي ان (مهاب ) سأله :
- ماذا اصابك ؟ضرباتك تفتقر الي القوة هذه المرة
جمع (فارس ) كل قوته وضيقه في ضربة قوية هوي بها سيفه علي سيف (مهاب ) وهويقول في حدة :
- هل تظن هذا ؟انتزعت الضربة سيف (مهاب ) من قبضته واطارته الي خيمة الشيخ حيث استقر امامها فاطلق (مهاب ) ضحكة خافتة وقال في خجل :
- لم اقصد هذا تماما
ابتسم (فارس ) ابتسامة باهتة وهو يتجه الي حيث سقط سيف (مهاب ) مغمغما :- لم اكن اقصد انتزاع سيفك ساحضره لك بنفسيبلغ موضع السيف وانحني ليلتقطه ولكنه تجمد في موضه عندما تناهي الي مسامعه حديث خافت يحمل صوتي رجلين
صوت الشيخ وصوت ذلك الابكم
(فهد)
* * *اعتدل (فارس) علي نحو حاد ورادته فكرة ان يقتحم خيمة الشيخ ويفاجيء (فهد) وهو يتحدث وتساءل في غضب عن سر كل هذا الغموض المحيط به منذ نشأته الاولي
منذ عكف الشيخ علي تربيته وتدريبه علي كل وسائل القتال وهو يجهل كل شيء عن نفسه الا ما يخبره به الشيخ وما يفلت به لسان (مهاب ) مدربه وصديقه الوحيد
لماذا يتم اعداده علي هذا النحوالفائق ؟
اية مهمة سامية تنتظره ؟
بل اي قدر ؟!
قطع صوت (مهاب ) حبل افكاره وهو يهتف ضاحكا :
- هل السيف ثقيل الي هذا الحد ؟
برز الشيخ من خيمته في هذه اللحظة وبدت عيناه متالقتين وهو يقول :- كفي يا (مهاب ) انتهي وقت اللعب
تابع (فارس ) ببصره (فهد ) الذي تسلل من خلف ظهر الشيخ الي جواده الاسود وقفز علي ظهره وانطلق به مبتعدا في حين ادار الشيخ عينيه الي (فارس ) وقال :
- اقترب يا ولدي
اقترب منه (فارس )وعشرات التساؤلات تملاء عقله ونفسه فامسك الشيخ كفه واجلسه امامه وهو يجلس بدوره علي الصخرة المصقولة ثم وضع يده علي كتفه وقال :
- اسمعني جيدا يا (فارس ) منذ ما يقرب من ثمانية قرون وبالتحديد في الخامس من رجب عام (92 هجرية ) الموافق شهر ابريل من عام (711 م ) وقف الفارس العربي (طارق بن زياد ) علي شاطيء الاندلس يهتف بجنوده :
- البحر من امامكم و العدو من خلفكم فاين المفر ؟! وكانت صيحته هذه هي شرارة فتح( الاندلس ) التي شهدت في ثمانية قرون نهضة رائعة ثقافية وفنية وادبية وحضارية كما شهدت المحاولات المستميتة من ملوك وامراء وسلاطين( اوروبا )
لاستعادة شبه الجزيرة الايبيرية التي حملت من قبل اسم قبائل (الفاندال) (Vandals ) او (الاندلس ) الذي تحمله الان ومنذ عهد الملك (لذريق )[2] حمل العرب لواء ( الاندلس) الي ان نشبت بينهم الصراعات والخلافات الداخلية وهنا انقض عليهم ملوك (اوروبا ) وعلي راسهم (فرناندو الثالث ) ملك (قشتالة ) ونجحوا في استعادة معظم (الاندلس ) بما في ذلك عاصمتها قرطبة ولم تتبق لنا سوي مملكة (غرناطة ) التي نطلق عليها اسم (الاندلس الصغري) والتي يسعي (فرناندو الخامس ) ملك (ارجون ) و(ايزابيلا ) ملكة (فشتالة ) و(ليون ) لتحطيمها وهزيمتها وطرد العرب منها [3]
نفذ صبر (فارس ) بسرعة فقال :
- لقد القيت هذا علي مسامعي عشرات المرات يا عماه فمالجديد هذه المرة
تنهد الشيخ في عمق وضغط كتف (فارس) في رفق وهويقول :- (فرناندو ) و(ايزابيلا) يخططان لتحطيم البقية الباقية من (الاندلس ) يا ولدي ولقد ارسلا الي (غرناطة ) اقوي جواسيسهم في (قرطبة ) ويدعي (رودريك ) وهو فارس قوي صلب تقتصر مهمته علي لقاء تاجر خائن في (غرناطة ) والحصول منه علي خريطة تبين نقاط ضعف الحراسة حول المملكة ليسهل اقتحامهاعقد (فارس ) حاجبيه وقال في قلق :
- ولكن هذا قد يعني نهاية الحكم العربي في (الاندلس ) يا عماه ومن الضروي ان نبذل قصاري جهدنا لمنع جاسوس (قرطبة) هذا من العودة الي اسياده بخريطة دفاعاتنا
ابتسم الشيخ وهو ينهض قائلا :
- تعال يا ولدي
قاده الي خيمته و(مهاب ) يتابعهما في صمت وقد سرت في جسده رعشة هيبة وترقب في حين انحني الشيخ يفتح صندوقا مكتوما والتقط من داخله حلة فارس بيضاء وخوذة من الفضة وسيفا له مقبض ونطاقا وجرابا من اللون الاخضر وناول كل هذا (فارس ) وهويقول في حزم :
- لقد حانت اللحظة يا ولدي اللحظة التي انتظرها منذ عشرين عاما هذه مقتنيات والدك وهانذا اسلمها اليك لتتم مهمته ولتبدأ مهمتك السامية لانقاذ راية (الاندلس )
التقط (فارس ) الحلة والسيف والخوذة وهو يسأل في شغف :
- ولكن من هو والدي يا عماه ؟ ما اسمه ؟ من كان ؟ واي لقب احمله انا بعد (فارس ) ؟
ابتسم الشيخ ابتسامة خافتة وقال :- يكفيك انك (فارس) يا ولديثم وضع يده علي كتفه مستطردا في زهو وحماس :- فارس (الاندلس )
وكانت هذه لحظة الميلا د
2- الجاسوس ..
اشرقت الشمس في مشهد بديع والقت اشعتها المتالقة الدافئة من خلف جبال (سيرانيفادا) كخيوط من ذهب انهمرت علي مدينة (غرناطة ) عاصمة (الاندلس الصغري ) وتألقت علي قصر الحمراء الحصن العربي الشامخ وانعكست علي وجه فارس متين البنيان واضح القوة يرتدي ثياب مزركشة مزدانة بخيوط من الذهب والفضة التمعت تحت ضوء الشمس وابرزت شعره الاسود اللامع ولحيته القصيرة وشاربه الفاحم الذي ينتاقض كثيرا مع عينيه الزرقاوتين وان اتفقت الوانه مع لون جواده الاسود ذي البقع البيضاء التي تحير الناظر والباحث عن اصل الجواد الذي انسدل علي ظهره سرج ثمين وامتدت من فكيه عنان موشي بخيوط القصب ليستقر في قبضة راكبه ويتأرجح مع حركته الهادئة المدروسة وعينا الفارس الزرقاوان تدرسان المكان في حنكة واهتمام حتي وقع بصره علي باب من خشب الصندل تشف نفوشه البارزة عن ثراء صاحبه ورفع منزلته فاوقف الفارس جواده وهبط عنه ودق الباب في حزم وانتظر لحظات حتي برز امامه رجل قصير ساله في اهتمام :
- ماذا ينشد السيد ؟
اجابه الفارس :
- اتيت من خلف الجبال لاقابل سلطان (غرناطة ) المرتقب
ارتسمت ابتسامة خبيثة علي شفتي القصير وانحني علي نحو واضح النفاق وهويلوح بكفه قائلا :
- مرحبا بك في البلاط المؤقت للسلطان المرتقب ايها الفارس تفضل علي الرحب والسعة
عبر الفارس الباب في خيلاء وناول درعه للقصير الذي احتقن وجهه في شدة وهو يبذل اقصي جهده لحمل الدرع الثقيل في حين احتفظ الفارس بسيفه ونطاقه وهويدير عينيه في القاعة قائلا :
- اين السلطان ؟
وضع القصير الدرع جانبا واشار الي قاعة اخري قائلا :
- هنا ايها الفارس تقدم
دلف الفارس الي القاعة الثانية ولم يستطع منع شفيته من الانقلاب امتعاضا عندما وقع بصره علي رجل بالغ البدانة ترك جسده الضخم يسترخي فوق اريكة هائلة وهو يلتهم قطع اللحم في شراهة وحوله عدد من جواريه يقدمن له الشراب والطعام ولم يكد البدين يري الفارس حتي امتلاء وجهه المكتظ بابتسامة واسعة وهو يهتف :
- وا عزيزي (رودريك ) انني انتظرك منذ يومين مرحبا بك
اتجه اليه (رودريك ) جاسوس (قرطبة ) وجلس علي اريكة مجاورة وهو يقول في استعلاء :
- اين الخريطة ؟
ابتسم البدين في خبث ولوح باصابعه قائلا :
- ليس هكذا يا عزيزي (رودريك ) فلنتناول شيئا من الشراب اولا
عقد (رودريك ) حاجبيه وقال في صرامة :
- الخريطة اولا
اطلق البدين ضحكة قصيرة وقال :
- حسنا يا عزيزي (رودريك ) حسنا لا داعي للغضب
ثم مال نحوه مستطردا في خبث :
- ولكنني احب استرجاع بنود اتفاقنا في البداية
رمقه (رودريك ) بنظرة احتقار وهويقول :
- لاتقلق يا رجل لقد وعدك السادة بان ينصبوك سلطانا علي (غرناطة ) عندما يتم لهم احتلالها والملوك لا يحنثون بوعودهم قط
ابتسم البدين في دهاء وقال :
- ربما و لكنني - كما تعلم - تاجر قديم وليس من السهل علي تاجر مثلي ان يركن الي الوعود الشفهية
قال (رودريك ) في حدة :
- حسنا ماذا تطلب في اختصار ؟
تألقت عينا البدين في شراهة وهويقول :
- عقدا مكتوبا
ابتسم (رودريك ) في سخرية وقال :
- اهذا مايرضيك حقا ؟
هتف البدين في لهفة :
- بالتاكيد
صمت (رودريك ) لحظات ثم اشار الي الجواري قائلا :
- اتحب ان يتم هذا علي الملاء ؟
ابتسم البدين وقال :
- كلا بالتاكيد
وباشارة من يده نهضت جواريه وغادرن القاعة في سرعة وبقي هو مع (رودريك ) والقصير واشار (رودريك ) الي القصير وهو يقول في استهتار :
- وهل سيبقي هذا ؟
اومأ البدين براسه ايجابا :
- نعم (سينوت ) هوذراعي اليمني وكاتم اسراري
ابتسم (رودريك ) في سخرية وقال :
- فليكن الي برق وقلم وسامنحك التعهد المكتوب الذي تنشده
وفي اعمق اعماقه ودون ادني صوت اضاف (رودريك ) :- ايها الغبي الاحمقترجل (فهد ) عن جواده الاسود علي بعد امتار من دار البدين وادار عينيه ووجهه الجامد فيما حوله ثم اتجه في هدوء الي حيث يقف جواد (رودريك ) وربت علي عنق الجواد في رفق وداعب معرفته في حنان دفع الجواد الي ان يمسح عنقه بصدر (فهد ) القوي الذي نقل راحته من عنق الجواد الي صدره القوي وبطنه وعجزه ثم قائمته الخلفية اليسري ورفعها في رفق دون ان يعترض الجواد وبخفة وسرعة التقط من حزامه شريحة معدنية صغيرة ثبتها اسفل حافر الجواد بقبضته ثم ترك الجواد يخفض قائمته وربت علي بطنه وعنقه مرة اخري ثم تركه واتجه الي حيث يقف جواده وقفز يعتلي صهوته وامال عنانه وانطلق به مبتعدا
* * *ذيل (رودريك ) العقد بتوقيعه وناوله الي البدين وهو يقول في لهجة لم يحاول اخفاء النبرة الساخرة فيها :
- هاهو ذا العقد المكتوباختطف البدين العقد في لهفة وطالعه في شبق ثم طواه في انفعال وهو يملاء وجهه بابتسامة ضخمة هاتفا :
- سنتناول الشراب احتفالا بتوقيع هذا ال...........
قاطعه (رودريك ) في صرامة :
- الخريطة
لوح البدين بكفه هاتفا :
- الخريطة موجودة ولن تذهب بعيدا فقط سنحتفل و
قاطعه في حزمه :
- الخريطة اولا
بدا الخوف لحظة في عيني البدين الا انه لم يلبث ان ازدرد لعابه وقال :
- حسنا يا عزيزي (رودريك ) حسنا ستحصل عليها علي الفور
ثم فرقه اصبعيه وهو يستطرد في توتر :
- (سينوت )
ابتسم القصير ابتسامة مفعمة بالخبث والغموض وانحني امام مولاه ثم اتجه نحو جزء من الحائط يستحيل تفرقته عن باقي اجزاء الحائط وضغط نقوشه في خفة فانزاح جانبا كاشفا فجوة قصيرة التقط القصير من داخلها الخريطة ودار علي عقبيه في حركة مسرحية وناولها ل(رودريك ) الذي التقطها في اهتمام واضح وفردها امام عينيه وبدا شديد الاهتمام وهو يطالعها في حين راح البدين يقول في زهو :
- انها ادق خريطة موجودة للمواقع الدفاعية العربية وبواسطتها يمكنكم التسلل بجيوشكم الي قلب غرناطة واحتلالها قبل ان يفتح العرب اعينهم في الصباح
وطوي (رودريك ) الخريطة وهويقول في صرامة :- اعلم هذاابتسم البدين وقال :- رائع والان سنحتفل ب..........نهض (رودريك ) قائلا في حزم :- لاوقت يا رجل
هتف البدين :- الي اين ؟ اننا لم نتناول الشراب بعد ولم ........قاطعه في حزم صارم :- فيما بعد سنحتفل قريبا بسقوط (غرناطة )والتقط درعه وهو يستطرد في خفوت وسخرية :- وسقوط راسك ايها الغبيوفي اعماقه انطلقت ضحكة ساخرة * * *
هاهو ذا
نطق (مهاب ) بالكلمة وهو يشير الي دار البدين فتعلقت عينا (فارس) بالباب المزخرف وغمغم :
- المهم ان نكون قد وصلنا في الوقت المناسب
جذب معرفة جواده الابيض العربي الاصيل وهو يستطرد :
- هيا يا (رفيق)
اطاعه الجواد في مرونة ودفع قوائمه نحو دار البدين حيث توقف شامخ الراس مفرود الصدر وقفز (فارس ) عن ظهره وهويقول ل(مهاب ) :
- انتظر هنا وساعلم انا ما اذا كنا قد وصلنا في الوقت المناسب ام لا
ودق باب البدين في حزم
كان (فارس ) محط الانظار منذ بلغ (غرناطة ) مع (مهاب ) فقدا بدا شديد الوسامة والقوة والثقة ولفتت حلته البيضاء وخوذته الفضية انتباه الجميع وجراب سيفه الاخضران اشبه برمز للامل في القلوب خاصة مع ذلك الجواد الابيض الشاهق الذي يعبر طرقات العاصمة في ضربات قوية واثقة
واكثر ما جذب الانظار الي (فارس) هو انه يمتطي جواده دون سرج او لجام
ولقد ذكرهم هذا باحد امراء (قرطبة )
بل باعظم امرائها
هذا هو نفس الانطباع الذي تفجر في راس (سينوت ) القصير عندما وقع بصره علي (فارس ) بزيه الابيض وخوذته الفضية ونطاقه الاخضر
لقد تذكر فارسا قديما واميرا صنديدا كان يرتدي الزي نفسه فيما مضي
وكان يشبه (فارس ) كثيرا
كثيرا جدا
وعلي الرغم منه ارتجف (سينوت) وصوته وهو يقول :
- ماذا تريد ايها الفارس ؟
قال (فارس ) في حزم :
- اريد مقابلة سيدك
ساله (سينوت) في قلق :
- في اي شأن ؟
اجابه علي نحو صريح :
- بشان جاسوس من (قرطبة ) يدعي (رودريك )
انتفض جسد (سينوت) وحدق لحظة في وجه (فارس ) ثم ابتسم ابتسامة غامضة وهو يفسح الطريق قائلا :
- تفضل علي الرحب والسعة
دلف (فارس ) الي الداخل في حين بقي (مهاب ) امام الباب ولم يكد (سينوت) يغلق الباب خلف (فارس ) حتي تحسس (مهاب ) سيفه وغمغم في قلق :
- فليكن لابد له ان يخوض التجربة وحده هكذا اشار الوزير
ثم تنهد في عمق وجلس ينتظر
اما (فارس ) قد قاده (سينوت) الي القاعة الخارجية وانحني امامه في تملق قائلا :
- فلينتظرني سيدي الفارس لحظة
ثم اسرع الي القاعة الاخري حيث يجلس البدين ومال علي اذنه هامسا في انفعال :
- هناك فارس اخر يطلب مقابلتك يا مولاي
اشارالبدين الي جواريه بالانصراف ثم سأل( سينوت) في قلق :
- اي فارس هذا ؟
اجابه (سينوت ) بنفس الانفعال :
- انه فارس ابيض يا مولاي يرتدي نفس ذلك الامير في (قرطبة )
ارتجف البدين في قوة وحدق في وجه (سينوت) في رعب وختف في خفوت :
- هل هل بعث حيا ؟!
هز (سينوت ) راسه نفيا وقال :
- لا يا مولاي الارجح ان هذا ابنه الذي اختفي رضيعا مع الوزير و
قاطعه البدين في توتر :
- وماذا نفعل به ؟
اجابه في خبث ودهاء :
- دعنا نسمح له بمقابلتك اولا يا مولاي
هتف البدين :
- ثم ماذا ؟
ابتسم (سينوت ) ابتسامة ماكرة وقال :
- ثم ينهي رجالنا الامر يا مولاي
حدق البدين في وجهه لحظة ثم ابتسم قائلا :
- فليكن دعه يدخل
لم تمض لحظات حتي دلف (فارس ) الي الحجرة شامخ الرأس معتدل القوام ولم يملك البدين الا ان يرتجف وهو يسأله :
- ما الذي تنشده ايها الفارس ؟
وضع (فارس ) يده علي صدره وقال في حزم :
- اسمي (فارس ) و انا هنا لتحذيرك من التورط في خيانة مفزعة لاتليق بعربي فقد بلغني انك تنتظر جاسوسا من (قرطبة ) وانك تنوي منحه خريطة للدفاعات العربية
انتفض البدين في قوة وجري الرعب في عروقه مجري الدم وحدق في وجه (فارس ) في ذهول فقد كان لاسلوب (فارس )المباشر المفاجيء اثره العنيف في تحطيم مقاومة البدين ومعنوياته حتي انه راح يترجرج في شدة وهو يقول في انهيار :
- كيف ؟ كيف علمت كل هذا ؟ من انت ؟
تجاهل (فارس ) كل هذه الاسئلة وهو يسأله في حزم :
- اخبرني اولا اوصل الجاسوس القرطبي ومنحته انت الخريطة ام انه لم يصل بعد ؟
تردد البدين لحظات ثم قال وهو يختلس النظر الي (سينوت ) في القاعة الاخري :
- هذا يتوقف علي ......
بتر عبارته عند هذا الحد فسأله (فارس ) في صرامة :
- علي ماذا ؟!
ابتسم البدين فجأة في ارتياح وهو يقول :
- علي هؤلاء
وفي نفس اللحظة اقتحم القاعة خمسة من الفرسان الاشداء واستل كل منهم سيفه في صليل قوي رنان امتزج بصوت البدين وهو يشير الي (فارس ) ويهتف في حدة :
- اقتلوه
وكانت المواجهة
* * *
[1] الابنوس : خشب اسود اللون لعدد من الاشجار الاستوائية وهو خشب صلد ممتاز الصقل يستعمل في صناعة الاثاثات الفاخرة و بعض التماثيل الغالية الثمن واصابع البيانو
[2] (لذريق) او (ردريق) : اخر ملوك القوط الغربيين في (اسبانيا ) هزمه (طارق بن زياد ) عام 711 م قرب مدينة (صيدونيا ) في اوائل الفتح الاندلسي
[3] حقائق تاريخية
يتبع منقول
حمل الروايه كامله من المرفقات