:
يخضع أسلوب ترتيل القرآن إلى عدة طرائق أو مدارس قرائية لها أحكامها وخصوصياتها المختلفة في
إتباع وسائل التعليم والتثقيف، وعلى الرغم من الاختلافات المتعددة بين مدرسة وأخرى إلا أنها تشترك في
رآنين جوهريين، هما استخدام روح الموسيقا مقروناً بحزن التراجيديا الراقي وجمالياته.
ومن تلك المدارس المدرسة العراقية المرتبطة بأصول المقام العراقي الذي ينبع من إرث حضاري
عريق، ومدرسة المغرب العربي العريقة التي تعتمد في تنغيمها على تراث موسيقا (النوبة) الأندلسية
و(المالوف) وأصولهما ( 35 )، ومدرسة الحجاز بخصوصيتها المعروفة في التلاوة والإنشاد التي يغلب على
تنغيمها سلم مقام (الحجاز) وتحولاته؛ وتؤدى بنسق نغمي واحد مصحوباً بتواتر إيقاعي متقارب النبض
ثم المدرسة المصرية في الترتيل التي يُبنى هيكلها الصوتي العام على سلالم الموسيقا الشرقية ،(Monotony)
وأنغامها المتداولة في قوالب التلحين الغنائي العربي.
ينضوي تحت لواء المدرسة المصرية الحديثة في ترتيل القرآن الكريم المدرسة عدد آبير من المقرئين
المجيدين، لكن القراء الستة الكبار هم الذين يشكلون أعمدتها الأساس لما يحملونه من مزايا تؤهلهم ليكونوا قدوة
يقتدى بهم في تلك المدرسة العريقة وآثارها على الأجيال اللاحقة، وقد ورد وصفهم من قبل الشيخ الراحل محمد
متولي الشعراوي بقوله" هؤلاء القراء يرآبون مرآباً واحداً ويُبحرون في بحر القرآن الكريم، ولن تتوقف هذه
المرآب عن الإبحار حتى يرث الله سبحانه وتعالي الأرض ومن عليها" ( 36
(الشيخ محمد رفعت) ( 1882 1950
من القراء المصريين البارزين بدلالة الألقاب العديدة التي حصل عليها، ومنها: (المعجزة - قيثارة
السماء - الروحاني - الرباني - القرآني - آروان الإذاعة - الصوت الملائكي والذهبي سوط عذاب وصوت
رحمه)، آان إنساناً قويا رقيقا خاشعا عابدا لله، خشع قلبه فخشع صوته.
عندما تستمع إليه الجموع تبكي وتخشى الله عند ذآره لآيات الترهيب، وتفرح بذآره آيات الترغيب، لذا
سمي بسوط عذاب وصوت رحمه، وعند سرده للقصص القرآني يتفكرون في الآيات ويتدبرونها ويعتبرون منها.
يمتلك صوتاً جميلاً رخيماً رناناً مقروناً بثقافة موسيقية عالية، تؤهله للانتقال من قراءة إلى قراءة أخرى
ببراعة وإتقان ومن دون أي تكلف، فصوته يحتوي على مقامات (طبقات) موسيقية مختلفة؛ يستطيع من خلالها
أن يتحوّل من مقام إلى آخر من دون أن يشعر المستمع بما يحصل من اختلافات، ساعدته طبقاته الصوتية
الواطئة (القرار) الرخيمة التي يستثمرها عادة بأسلوبه في استهلال الترتيل الهاديء، ثم يأخذ صوته في الارتفاع
تدريجاً نحو الطبقات العالية (الجواب)، وفي آلتا الحالتين يبقى رشيداً يمس شغاف القلب ويتملكه، ويسرد الآيات
بسلاسة وحرص واستشعار منه لآي الذآر الحكيم.
(الشيخ عبد الفتاح الشعشاعى) ( 1890 1962
أحد أبرز أعلام قراء القرآن المصريين في التعامل مع الأنغام الموسيقية المتنوعة، وآان ثاني قارئ
تعتمده الإذاعة المصرية عند افتتاحها عام ( 1934 م) ( 37 ) ، بعد محمد رفعت، سافر إلى العراق أآثر من مره؛
فكانت زيارته الأولى في عام ( 1954 )، والثانية عام ( 1958 ) أما آخرها فكانت في عام ( 1961 م).
(الشيخ مصطفى إسماعيل) ( 1905 1978
استمع إليه الشيخ محمد رفعت وتوقع له مستقبلا باهرا، وعندما ذاعت شهرته في أرجاء مصر؛ استمع
إليه الملك فاروق فأعجب بصوته وأمر بتعيينه قارئا للقصر الملكي على الرغم من أنه لم يكن قد اعتمد بالإذاعة
في حينها.
امتاز الشيخ مصطفى بعذوبة صوته، وقوة أدائه، وعُرف عنه أنه صاحب نَفَس طويل في القراءة
التجويدية، فكان صاحب مدرسة جديدة وفريدة في أسلوب التلاوة والتجويد، وعندما اعتمدته دار الإذاعة
المصرية قارئًا لآيات التنزيل الحكيم؛ سجَّل بصوته القرآن الكريم آاملاً مرتلاً، وترك وراءه العديد من
التسجيلات المجوَّدة، التي لا تزال إذاعات القرآن الكريم تصدح بها صباح مساء.
( (الشيخ محمد صديق المنشاوي)، ( 1920 1969
نشأ في أسرة قرآنية عريقة فوالده الشيخ صديق المنشاوي هو الذي علمه فن قراءة القرآن الكريم
وأصول تلاوته، اشتهر الشيخ المنشاوي بقراءته التنغيمية المعروفة على سلم مقام ( النهاوند)، فكان قارئاً مبدعاً
بحق، أبهر مستمعيه ومحبيه حتى صار علماً من أعلام قراء القرآن وخدامه، حتى حصل صوته الخاشع على
لقب ( الصوت الباآي ).
( الشيخ محمود خليل الحصري )، ( 1917 1980
حصل على تعليم عال في (علم القراءات)، وأجاد في قراءة القرآن الكريم على وفق القراءات العشر،
في عام ( 1944 ) أجازت الإذاعة المصرية صوته وآلفته بتسجيل المصحف الصوتي بطريقته المميزة في
الترتيل، وفي العام ( 1960 ) اختاره الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بقرار جمهوري شيخاً لعموم المقاريء
.( المصرية (