التلاوة
يعد عبد الباسط بن محمد بن عبد الصمد ( 1927 1988 ) من قراء القرآن الكريم المهمين في العالم
الإسلامي والعربي، فهو واحد من القراء الستة الكبار المعبرين بشكل حقيقي وفاعل على الطريقة المصرية
الحديثة في ترتيل آيات الذآر الحكيم.
حاز الشيخ عبد الباسط عبد الصمد على النصيب الأآبر من الشعبية والحب لدى جموع المسلمين على
مستوي العالم، فهو صاحب الصوت الأخاذ الذي تملك قلوب الجميع بمجرد الاستماع إلى طريقته في الأداء من
اللحظة الأولى، استطاع أن يؤسس لطريقته في القراءة مدرسة خاصة، فتفرد بأسلوبها، وأسر من خلالها أفئدة
المستمعين في آل أرجاء المعمورة حتى لقب بالحنجرة الذهبية.
لقد حظي القارئ الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بمكانة جماهيرية رفيعة، ونال من التكريم حظاً وافراً لم
يحصل عليه أحد بهذا القدر مما زاده شهرة ومنزلة جعلته يتصدر قائمة المقرئين لما يقرب من نصف قرن من
الزمان نال خلالها قدراً آبيراً من الحب وتقدير فئات الشعب آافة، جعلت منه أنموذجاً يزداد ألقاً بمرور السنين،
ولم ينس حياً ولا بعد مماته ( 39 )، فشكل ظاهرة أدائية شعبية، آانت جديرة بحقيق فضول الباحث في التعرف
على خصائصها ومكوناتها.
يمتلك الشيخ عبد الباسط محمد عبد الصمد مهارات متعددة في أسلوب أدائه الذي ينم عن قدر آبير من
المعرفة بطبائع البشر وأهوائهم، فهو يستطيع استمالتهم إلى الترآيز على مضامين النص القرآني من خلال
الحزن الشفيف والأسلوب المعمق الذي يتبعه في ترقيق قلوب المستمعين ويدعوهم إلى فن الإصغاء للوصول إلى
حالة الخشوع.
يتميّز أسلوب أدائه في اعتماد التنغيم على وفق المقامات العربية التي توحي بإتقانه لتلك المقامات
وتحولاتها النغمية، آما يتميز بالتعبير عن الحنين والحزن الشفيف ألراقي (التراجيدي) في تصويره للكلمة التي
يمنحها زخماً آبيراً من المشاعر والأحاسيس وتنقلها رخامة صوته إلى المستمع.
يتمتع الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بمزايا القاريء الكبير الذي يجيد أحكام التجويد ويلتزم بها، فضلاً
عن موهبته الربانية في جمال الصوت وحسن الأداء، والوسائل الاستدراآية التي تدخل في نطاق عمل القاريء
نفسه في صقل موهبته واآتساب المهارات سواء أآانت من خلال التعلم وزيادة المعرفة بقواعد اللغة العربية
وأصولها، أم في معرفة قواعد المقامات الموسيقية وضروبها، أم من خلال العمل على تهذيب الصوت، التي يقف
في مقدمتها الاستخدام الأمثل للتنفس والتحكم في مخزونه.
فقراءة القرآن الكريم لها خصوصياتها في هذا الجانب، إذ تتطلب بعض الجمل في الآيات آمية آبيرة
من الطاقة التنفسية للوصول إلى الأداء الصحيح من دون أي انقطاع، وذلك يأتي من أهمية أداء الجملة وتعبيراتها
التي يفترض فيها ( أحياناً) اآتمال المعنى مع تواصل الصوت الأدائي المناسب.
استثمر عبد الباسط طبقته الصوتية المرتفعة ومساحاتها بذآاء أخاذ يؤآد معرفته بعلم الأصوات ودلالاتها
لا يمتلك درجات (Tenor) التي تؤثر في المستمع وتأخذه إلى عالم المعرفة بأسرار الكون، فصوته الصادح
الصوت المنخفضة (قرار الصوت) المناسبة، آما هو متوافر عند المقرئين (مصطفى إسماعيل) (محمد صديق
المنشاوي ) وغيرهم.
لقد تراوحت مساحته الصوتية ومدياتها الواسعة خلال سنين حياته بين اختلافات تدريجية، طفيفة نسبياً،
وعند ،(Two Octaves) ( إذ آان يتمتع في مرحلة شبابه بمساحة أدائية قوامها (ديوانان موسيقيان متكاملان
في حين ،(Baritone) ( بلوغه سن الأربعين وحتى سنينه الأخيرة، تحولت طبقته الصوتية إلى (الجهير الأول
سجلت مدياته الصوتية انخفاضاً في مساحتها التي تراوحت بين (ديوان ونصف) تقريباً، لكنه في جميع تلك
المراحل والمتغيرات الطبيعية التي تطرأ على تكوين الإنسان الفسيولوجي؛ حافظ على قوة حنجرته وتمسك
بحلاوة الأداء وسحره الذي ملأ الدنيا وشغل الناس.
لذلك تعامل مع قدراته الصوتية وملكاته التعبيرية بما وهبه الله سبحانه وتعالى، مستخدماً تجاربه
وخبرته في توظيف مهاراته من خلال التنوع والتلوين الأدائي بالشكل الذي حافظ فيه على جماليات القراءة
للوصول بها إلى الغاية المنشودة في شد المستمع طيلة مدة القراءة إلى آلام الله العظيم، بحيث لا يترك له أي
مجال للشرود الذهني، وتلك تعد من ابرز خصال القاريء أو الخطيب الجيد المجيد.
يسهم صوته الجميل في تحقيق الغاية من قراءة القرآن الكريم في الوصول إلى حالة الخشوع والتجلي
عند المستمع المؤمن، فيؤثر عليه بطريقة ساحرة تذآره بجلال الله وحكمته من موعظة البشر، ويدعوه ذلك
الصوت الإنساني الناقل لكلام الله وحامل رسالته بأما