محاولات آثمة لنبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
تذكر كتب التاريخ حوادث أربعة في محاولات نبش قبر النبي صلى الله عليهوسلم ، محاولتان تولَّى كِبرَهمابعضُ النصارى ، والثالثة والرابعة باء بإثمهما الحاكم العبيدي الزنديق الذي ادعى الربوبية .
المحاولة الآثمة الأولى :
تبوأ إثمها ووزرها الحاكم العبيدي الزنديق : منصور بن نزار بن معد المصري الإسماعيلي المدعي الربوبية ، قال فيه الذهبي"سير أعلام النبلاء(15/174) .
كان شيطانا مريدا جبارا عنيدا ، كثير التلون ، سفاكا للدماء ، خبيث النِّحلة ، عظيم المكر ، له شأن عجيب ، ونبأ غريب ، كان فرعون زمانه، أمر بسب الصحابةرضي الله عنهم ، وبكتابة ذلك على أبواب المساجد والشوارع " انتهىباختصار .
وقال السمهودي في "وفاء الوفا" (2/652)
وقد وقع بعد الأربعمائة من الهجرة ما نقله الزين المراغي عن"تاريخ بغداد" لابن النجار قال:
عن أبي القاسم عبد الحليم بن محمد المغربي : (( أن بعض الزنادقة أشارعلى الحاكم العبيديصاحب مصر بنقل النبي صلى الله عليهوسلم وصاحبيه من المدينة إلى مصر ، وزين له ذلك .
وقال : متى تم لك ذلك شد الناس رحالهم من أقطارالأرض إلى مصر ، وكانت منقبة لسكانها .
فاجتهد الحاكم فيذلك ، وأعد مكاناً ، أنفق عليه مالا جزيلا . قال : وبعث أبا الفتوح لنبش الموضع الشريف ، فلما وصل إلى المدينة الشريفة وجلس بها حضر جماعة المدنيين وقد علموا ماجاء فيه ، وحضر معهم قارئ يعرف بـ " الزلباني " ، فقرأ في المجلس : (وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ * أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍأَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْكُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) التوبة/12، 13
فماج الناس ، وكادوا يقتلون أباالفتوح ومن معه من الجند ، ولما رأى أبو الفتوح ذلكقال لهم :
الله أحق أن يخشى ، والله لو كان علي من الحاكم فوات الروح ما تعرضت للموضع ، وحصل له من ضيق الصدر ما أزعجه كيف نهض في مثل هذه المخزية
فما انصرف النهارذلك اليوم حتى أرسل الله ريحاً كادت الأرض تزلزل من قوتها ، حتى دحرجت الإبل بأقتابها ، والخيل بسروجها كما تدحرج الكرة على وجه الأرض ، وهلك أكثرها وخَلْقٌ من الناس ، فانشرحصدر أبي الفتوح ، وذهب روعه من الحاكم لقيام عذره من امتناع ما جاء فيه "
انتهى بتصرف
المحاولة الآثمة الثانية :
ويبدو أنها محاولة ثانية من الحاكم العبيدي أيضاً ، ينقلها أيضا السمهودي في "وفاء الوفا" (2/653) فيقول :
ونقل ابن عذرة في كتاب "تأسي أهل الإيمان فيما جرى على مدينة القيروان" لابن سعدون القيرواني ما لفظه :
(( ثم أرسل الحاكم بأمر اللهإلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من ينبش قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فدخل الذي أرادنبشه داراً بقرب المسجد ، وحفر تحتالأرض ليصل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فرأوا أنوارا ، وسُمِعَصائح : إن نبيكم ينبش ، ففتش الناس ، فوجدوهم ، وقتلوهم " انتهى
المحاولة الآثمة الثالثة :
وقعت سنة (557هـ) في عهد السطان الملك العادل نورالدين زنكي رحمه الله ، وكان الذي تولى كبرها النصارى
رأى السلطان نور الدين رحمه الله في نومه النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يشير إلى رجلين أشقرين ويقول: أنجدني ، أنقذني من هذين .
فاستيقظ فزعاً ، ثم توضأ وصلى ونام ، فرأم المنام بعينه،فاستيقظ وصلى ونام، فرآه أيضا مرة ثالثة .
فاستيقظ وقال : لم يبق نوم .
وكان له وزير من الصالحين يقال له جمال الدين الموصلي ، فأرسل إليه ، وحكى له ما وقع له ،فقال له : وما قعودك ؟ اخرج الآن إلى المدينة النبوية ، واكتم ما رأيت
فتجهزفي بقية ليلته ، وخرج إلى المدينة ، وفي صحبته الوزير جمال الدين .
فقال الوزير: وقد اجتمع أهل المدينة في المسجد : إن السلطان قصد زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحضر معه أموالاً للصدقة ، فاكتبوا من عندكم . فكتبوا أهل المدينة كلهم ، وأمر السلطان بحضورهم .
وكل من حضر يأخذ يتأمله ليجد فيه الصفة التي أراها النبي صلى الله عليهوسلم له فلا يجد تلك الصفة ، فيعطيه ويأمره بالانصراف ، إلى أنانفضت الناس.
فقال السلطان : هل بقي أحد لم يأخذ شيئا من الصدقة ؟
قالوا : لا .
فقال : تفكروا وتأملوا .
فقالوا : لم يبق أحد إلا رجلين مغربيين لا يتناولان من أحد شيئاً، وهما صالحان غنيان يكثران الصدقة على المحاويج .
فانشرح صدره وقال: عليّ بهما .
فأُتي بهما فرآهما الرجلين اللذين أشار النبي صلى الله عليه وسلم إليهما بقوله:أنجدني أنقذني من هذين
فقال لهما : من أين أنتما ؟
فقالا : من بلاد المغرب ، جئنا حاجين ، فاخترنا المجاورة في هذا المقام عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : اصدقاني ، فصمما على ذلك .
فقال : أين منزلهما ؟
فأخبر بأنهما في رباط بقرب الحجرةالشريفة .
وأثنى عليهما أهل المدينة بكثرة الصيام والصدقة ، وزيارة البقيع وقباء ، فأمسكهما وحضر إلى منزلهما ، وبقي السلطان يطوف في البيت بنفسه، فرفع حصيراً في البيت ، فرأى سرداباً محفوراً ينتهي إلى صوب الحجرة الشريفة ، فارتاعت الناس لذلك .
وقال السلطان عند ذلك : اصدقاني حالكما ! وضربهما ضربًا شديدًا ، فاعترفا بأنهما نصرانيان ، بعثهما النصارى في حجاج المغاربة، وأعطوهما أموالاً عظيمة ، وأمروهما بالتحيل لسرقة جسد النبي صلى الله عليهوسلم ، وكانا يحفران ليلاً، ولكلمنهما محفظة جلدعلى زي المغاربة ، والذي يجتمع من التراب يجعله كل منهما في محفظته ، ويخرجان لإظهار زيارة البقيع فيلقيانه بين القبور ، وأقاما على ذلك مدة ، فلما قربا من الحجرة الشريفة أرعدت السماء