دعونا نستعد أجواء قصص الرعب فقد تركناه منذ زمن, غير أن هذه القصة حدثت فعلا بهذه التفاصيل الرهيبة, وإني لأنذرك أنها مخيفة جدا لا تتحملها أعصاب كثيرين.
كان الأستاذ عبد الظاهر رجلا محترما من مثقفي الستينيات . أنت لا تعرفهم جيدا ولا تعرف عمن أتكلم , فأقول إنه ينتمي لمجموعة المثقفين الذين سادوا مصر في الستينيات , وأحدثوا الكثير من الحراك الأدبي , وآمنوا بالاشتراكية بشدة .. وبدا لهم أن المستقبل مشرق ساطع , ثم جاءت ضربة قاسية موجعة اسمها هزيمة 1967, فتقوقعوا .. وامتلك كل منهم اكتئابه الخاص , ومع الوقت رأوا أحلامهم تضمحل ورأوا كيف انتصر رجال الأعمال وتجار الشنطة , والمسرح الذي كان يقدم مسرحيات يونسكو وسوفوكليس صار يقدم مسرحيات عجيبة تتضمن رجلا صعيديا يطارد قزما بمسدس , ورجلا بالثياب الداخليةيتلقي صفعة علي قفاه .. إلخ ..
لقد تغير العالم لكن الأستاذ عبدالظاهر لم يتغير . من أحاطوابه في أيام مجده عرفوا أنه لميتغير . وكان من الطراز الوقور الذي يشرب الشاي في فنجان ويأكل بالشوكة والسكين , كما أنه لا يذهب لشراء ربع حلاوةمن دون أن يحمل معه كتابا عن( آليات النقد في أدب أمريكا اللاتينية ) , والكتاب واضح يراهالجميع .. ويراه البقال فترتجف يده رهبة وهو يقطع الحلاوة ..
كل الحي يعرف أن الأستاذ عبد الظاهر إنسان مثقف وعظيم , خاصة وهو لا يرتدي إلا البدلةوربطة العنق حتي لو كان ذاهبالرتق حذائه ..
الحياة تزداد سوقية وفجاجة .. كل شيء يتغير .
هناك قصة لسومرست موم تحكيعن دبلوماسي بريطاني متحذلق في جنوب شرق آسيا . تكون الكارثة في حياته هي أنهم يرسلون له مساعدا لا يحترم أيشيء ليعمل معه . لا يحترم أي شيء معناها أنه يقرأ رواية بوليسية وهو يتناول العشاء , كما أنه يتناول العشاء حافي القدمين !.. هذا بالنسبة للدبلوماسي البريطاني شيء لا يمكن تحمله .. النتيجة هي أنه يخطط لقتل هذا المستهتر ..!.
الحقيقة أن الأستاذ عبد الظاهر يصلح جدا لهذه القصة . والأسوأ أن ابنه المراهق الوغد لا يكف عن تعذيبه .. ابنه في التاسعة عشرة , وهو يعيش مراهقته بشدة وحماسة .. يغني أشياء غريبة جدا مثل ( بوس الواوا دح ..) وما هو أغرب ..
كان الأستاذ عبد الظاهر يعتبر سماع أغاني فايزة أحمد نوعا من التنازل , لأذن اعتادت سماع أم كلثوم .. هنا يأتيه من يغني عن الواوا .. لكن ابنه كانسعيدا جدا وراضيا عن نفسه وعن الحياة .
الأستاذ عبد الظاهر أرمل كماهو واضح ويعيش مع ابنه في تلكالشقة , ومع الوقت انتهت المحادثات بينهما .. كل منهما يحب الآخر بشدة ولا شك في ذلك , لكنهما لا يتبادلان ما يكفي من الكلام .. ربما عشر جمل في الأسبوع أوأقل ..
يقوم الأستاذ عبد الظاهر بطهو طعام الغداء .. إنه يستمتع بذلك .. ثم يعد المائدة بطريقةتدل علي الرقي بلا شك . يجلس معابنه .. يراقبه وهو يأكل كالمسعورين ويمزق اللحم بيده ,ثم يرفع سلطانية الحساء ويصبها في حلقه صبا ..
ـ ' الحساء لا يشرب إلا بالملعقة '
ـ ' بل أفعل مثل اليابانيين .. يشربون من السلطانية ولم يهلكواأو يدخلوا جهنم بعد '
ثم يتبعها الوغد بـ ( شريييييييييييييييب ) ..
هكذا تمضي الحياة .. الابن الوغد المستمتع بالحياة والذي يري أن كل شيء ممتاز . والأب المغتاظ الذي يشعر بالحيرة وبأن الحياة سوقية أكثر من اللازم ..
في ذلك اليوم الموعود كان الأستاذ عبد الظاهر وحده في البيت .. ابنه كان في الكلية .. وكان يعني ببعض أمور الشقة وهو يلبس الفانلة الداخلية مع سروال المنامة . دق جرس الباب فاتجه ليفتح ناسيا أن يلبسشيئا ..
هنا فوجئ بشيء يثب في أحضانهكأنه قرد مشعر مبلل بالعرق , وانهالت قبلات لزجة علي خديه, بينما هناك من يردد وهو يلهث :
ـ ' أنت لم تعد تسأل لذا قررتأن آتي لأعرف ما دهاك .. أنت لم تعد تسأل لذا قررت أن آتي لأعرف ما دهاك .. أنت لم تعد تسأل لذا ............... .. '
كان عبد الظاهر يحاول فهم : لماذا يصرخ هذا الرجل بلا توقف ..
أخيرا استطاع أن يعرف من هو .هذا هو الحاج مدكور . في وقت ما كان الأستاذ عبد الظاهر مدير شركة , وكانت الشركة تتعامل مع تجار كثيرين.. ومن ضمن هؤلاء التجار الحاج مدكور . لقد قرر أن يعدمفاجأة لصديقه القديم ويزوره . ودخل الحاج مدكور البيت وهو ما زال يردد :
ـ ' أنت لم تعد تسأل لذا قررتأن آتي لأعرف ما دهاك .. أنت لم تعد تسأل لذا قررت أن آتي لأعرف ما دهاك .. أنت لم تعد تسأل لذا قررت أن آتي لأعرف ما دهاك '
ثم بدأ الرجلان يسترجعان الذكريات وهما يشربان الشاي الذي أعده الأستاذ عبد الظاهر. إن لهما تاريخا طويلا انتهيعندما خرج عبد الظاهر إلي المعاش , أما الحاج مدكور فهو ما زال يعمل وإن لماما.. سن مدكور أصغر بكثير ..
هنا بدأ الأستاذ عبد الظاهر يستنتج اللغز وراء هذه الزيارة المفاجئة . لقد جاء الحاج مدكور ليسأل :
ـ ' أعرف أنك كنت تسافر كثيرا أيام العمل .. فهل أثر هذا السفر علي رجولتك الفذة ؟ '
هكذا فهم ..
كان كل من تعاملوا مع الشركةيعتبرون عبد الظاهر علامة يعرف كل شيء . والسبب طبعا أنهملا يفهمون حرفا مما يقول . هكذا لاحظ الحاج مدكور أن أداءه كزوج لم يعد علي ما يرام , لذا قرر أن يزور عالمالعلماء الأستاذ عبد الظاهر .. وهو بهذا لا يعتبره الأكثر علما بل كذلك يعتبره الأكثر فحولة .. هذا التقديس شبه الوثني أثار إعجاب عبد الظاهر بنفسه وانتفخت أوداجه ..
وضع الأستاذ عبد الظاهر رجلا علي رجل وبدأ يتكلم في وقار .. يتكلم في فخر ..
حكي للحاج مدكور كيف أن رجولة الرجل لا تقاس بالأعضاء ولكن تقاس بالطباع الرجولية فقط . حكي له عن أبحاث فيتامين ( هـ ) والدكتورة أنا أصلان وأطباء رومانيا العباقرة .. حكي له قصصا غريبة عن قدرات جنسية مذهلة ..
كان الحاج مدكور يصغي في انبهار وقد فتح فمه غير مصدق, وكله إيمان مطلق بأطباء رومانيا العباقرة وخصوصا آنا أصلان ..